التوجيه الصحيح..بين الترهيب والترغيب


"متفكرش في حصان أسود" ..
لا يمكن أن تكون قد قرأت الجملة السابقة ولم تفكر في "حصان أسود" ! ، بالرغم من وعيك الكامل وإدراكك الشديد للنهي عن التفكير فيه .. وإن قرأتها ألف مرة فستفكر في ما أنت منهيٌ عن التفكير فيه.. لماذا ؟
لأن عقلك يجب أن يتخيل صورة لما قرأته لكي يستطيع أن يستوعبه ، ويعيه .. أما أنا إذا أردتك ألا تفكر في "حصان أسود" فماذا يجب عليّ أن أفعل ؟
يجب أن أقول لك "فكر في دب قطبي" ، فمن المستحيل لك أن تفكر في "حصان أسود" ، وها أنا ذا قد حققت هدفي ولكن بطريقة أخري .. بالتوجيه الصحيح.
كما سمعنا جميعاً ، وكما نسمع كل فترة ، "حملة" الدعاة الشنيعة علي تحريم الأغاني والموسيقي ، وسوق حججهم التي تثبت صدق نظرتهم ، وصواب عقيدتهم..وكالعادة تنتهي كل "خطبهم" ، أو "برامجهم" .. بأن "الموسيقي حراااااااااااااااااااام" .. "إيـاك أن تقرب الموسيقي هذه المعصية التي لها عذاب مهين"..
لا تقطب جبينك ، لست هنا لأدافع عن أحد ضد أحد ، أو أنصر رأي علي رأي ، فلست أهلاً لذلك ، وإنما لذلك أهله وناصريه .. ولست أتبع وجهة نظر معينة في هذه المسألة بالذات ، ولكن اعتراضي يتمثل في المنهجية التي يتبعها هؤلاء الدعاة في توصيل فكرتهم..
وهي سبيل "الترهيب"  من هذا أو ذاك ، أياً كان .. فعندما يريد أن يثبت لك أن "الموسيقي حرام" ، فهذه الإرادة في حد ذاتها – من وجهة نظري – في قمة الخطأ ! ..
لماذا لا يكون هدف الداعية هو أن يُقنعك – بالحجة أيضاً – أن "قراءة القرآن حلال" ! .. ويبين لك فضل ذلك ، ويحاول أن يعيد الحياة في قراءة القرآن ، هذه التي أصبحت عادة ، وبين كل رمضان ورمضان ، يتنافس المتنافسون حول الكم الذي ينهيه ، وليس الكيف الذي يقرأ به ! ..
لماذا لا يحاول أن يُقرب "القرآن" إلي قلبك ! ، بدلاً من أن يدخل لك من جهة المهاجم الناقد المُحرّم لكل شئ وأي شئ ! .. وهذه هي الصورة التي يرسمها في أذهان الناس.
مرةً أخري ، لست أتبني أياً من وجهات النظر المختلفة في هذه المسألة ، ولكني أتحدث فقط عن الأسلوب والطريقة التي يتبعها الدعاة هذه الأيام .. فبدلاً من الترهيب من سماع الموسيقي ، الترغيب في سماع القرآن ! ، وبدلاً من الترهيب من التبرج ، الترغيب في الحجاب ، وبدلاً من الترهيب من القبر ، الترغيب في العمل الصالح ، وهكذا.
فلا أتخيل أبداً أني أدعو غير مسلماً إلي الإسلام وأقول له ..
" اسمع ستدخل الإسلام ؟! ، إذاً الموسيقي حرام ، التبرج حرام ، تجنب عذاب القبر ، لا تستمتع بنعم الدنيا ، ازهد فيها ، ازهد ! "
لا أتوقع أني لو كنت مكانه سأقبل أن أدخل الإسلام ! .. لأنه رغبني في أشياء ولم يرغبني في بديل لها ، فمن المحتم أني سألجأ إليها في النهاية ..
فالطريق القويم – كما أزعم – في كونك تريد أن تُثني أحداً عن فعل شئ ، أن تُرغبه في فعل غيره ، فإن كنت تريد أن تُثني أحداً عن سماع الموسيقي ، فرغّبه في ملازمة القرآن ، وسيتجنب هو سماع الموسيقي لا إرادياً ، لم تفعل أنت شئ ، إلا أنـك اتبعت ..
                                           "التوجيه الصحيح"


تعليقات